لم يعد «حزب الله» اللبناني مجرد حاضنة للإرهابيين وسلة لتجمع «الفاكهة الفاسدة»، بل تحول مع مرور الوقت إلى أداة من أدوات التخريب في المنطقة والعالم، ولم يكتف بما يتلقاه من أموال من ربيبته إيران، التي لطالما تفاخر زعيمه حسن نصر الله بأنه يتلقى أمواله منها، بل مد نشاطه الإرهابي إلى تجارة المخدرات والممنوعات، والهدف واضح، ويتمثل في تمويل الحرب التي يخوضها في سوريا، وتمويل الجماعة الحوثية المرتبطة بإيران في اليمن، خاصة بعد أن بدأت العقوبات تفعل فعلها في مفاصل نظام الملالي في إيران، لكن الحزب لا ينطلق من زاوية تكاليف الحرب فقط، بل من قاعدة تنويع تمويله، حتى وإن كانت عن طريق الاتجار بالممنوعات والمخدرات، التي صارت تملأ خزائنه في الفترة الأخيرة.
ولم تنطلِ حيل «حزب الله» على العالم، بالادعاء أنه يحصل على تمويل نشاطاته من مشاريع خيرية ومتبرعين بعد إدراج شخصيات لبنانية عدة على لوائح الإرهاب، فقد تأكد للكثير من دول العالم أن الحزب يتعمد ممارسة التضليل للتغطية على حقيقة النشاط الذي يقوم به، المتمثل في تجارة المخدرات، وهو ما أماطت اللثام عنه وسائل إعلام دولية فضحت ما يقوم به من وراء هذا الاتجار غير المشروع.
يكشف تقرير أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما ارتكبت عدداً من التجاوزات؛ من أجل إبرام الاتفاق النووي مع إيران، كان من بينها غض واشنطن الطرف عن عمليات تهريب المخدرات وغسل الأموال، التي تجريها ميليشيا «حزب الله» داخل المنطقة و داخل أمريكا. ورغم إطلاق مكتب مكافحة تهريب المخدرات الأمريكي مشروع «كاساندرا» عام 2008؛ لاستهداف عمليات «حزب الله» غير الشرعية، إلا أن سلسلة من العقبات وضعتها إدارة أوباما حالت دون التمكن من ملاحقة أنشطة الحزب، وأدى ذلك إلى المساهمة في تعاظم قوة الميليشيات الإرهابية من الناحية المالية والعسكرية في آن واحد؛ إذ تجني ثلث ثروتها تقريباً من تهريب وتصنيع وبيع المخدرات، بحسب العضو البارز في لجنة المال بمجلس النواب ديفيد آشر.
يقول آشر، وهو أحد مؤسسي مشروع «كاساندرا»، إن قرار إبعاد ممارسات «حزب الله» عن الضوء والملاحقة جاء بإيعاز سياسي، ويتهم التقرير وزارتي العدل والمالية في إفشال ملاحقات قضائية واعتقالات، بحق مدانين من الحزب بإيعاز من الإدارة العليا من خلال المماطلة والتأخر وبرفض تلك الطلبات. ومن بين الملاحقات التي تم توقيفها من قبل إدارة أوباما، كانت لواحد من أكبر المشغلين لميليشيا «حزب الله»، الذي يعد من كبار مهربي مادة الكوكايين، وداعمي رئيس النظام السوري بشار الأسد في سوريا بالمال والأسلحة الكيمياوية والتقليدية، وكان يطلق عليه اسم «الشبح»، وتؤكد التقارير أنه بعد توقيع الاتفاق النووي تم تفكيك مشروع «كاساندرا»
تشير تقديرات لبحوث ودراسات إلى أن الدخل السنوي من تجارة المخدرات التي يقوم بها «حزب الله» يقدر بمئات الملايين من الدولارات، ويفوق الميزانية السنوية التي يحصل عليها الحزب من إيران والمقدرة بـ 320 مليون دولار،ففي عام 2009 أعلنت هولندا عن اعتقال 17 شخصاً يشكلون شبكة دولية لتهريب المخدرات مرتبطة بالحزب، ونقلت نحو 2000 كيلوجرام من الكوكايين بين دول عدة خلال عام واحد، وأرسلت الأرباح إلى لبنان، ويورد تقرير نشرته مجلة «دير شبيجل» الألمانية عن وصول محققين لدلائل بأن «حزب الله» يمول عملياته من تجارة المخدرات في أوروبا، وقد ظهر ذلك للمرة الأولى عندما تم اعتقال عائلة لبنانية يشتبه في أنها هربت مبالغ كبيرة من عوائد تجارة الكوكايين إلى لبنان عبر مطار فرانكفورت، وسلمتها لشخص على علاقة بالدوائر العليا لـ «حزب الله».
وبدوره يكشف «معهد رند» الأمريكي عن منظمات إجرامية تعمل في المثلث الحدودي للبرازيل والأرجنتين والباراجواي، تمول أنشطة «حزب الله»، مشيراً في تقرير له إلى أن ملايين الدولارات يتلقاها الحزب من شخص يدعى أسد أحمد بركات، المدرج على لوائح الإرهاب الأمريكية، والمعروف بتعاملاته في مجال المخدرات، الذي حصل على خطاب شكر من أمين عام الحزب حسن نصر الله شخصياً؛ لتبرعه السخي لـ«صندوق شهداء المقاومة».
إضافة إلى بركات، ضمت لوائح الإرهاب الأمريكية منذ عام 2006 صبحي فياض لتورطه بتجارة المخدرات لمصلحة «حزب الله»، وفايد بيضون، الذي اعتقل في مطار ميامي الدولي عام 2008 للسبب نفسه، قبل أن يعلن مجلس النواب الأمريكي أن تجارة المخدرات تشكل 30 % من مداخيل «حزب الله»، فيما أقر مجلس الشيوخ في 2005 مشروع قرار طالب بإدراج الحزب كمنظمة تهريب مخدرات أجنبية ومنظمة إجرامية عابرة للحدود.
يستخدم «حزب الله» ذريعة المؤامرة ضده. فتأتي الشواهد داخلية فجة؛ إذ أوقفت الجمارك اللبنانية في مارس/ آذار 2012 عبر مرفأ بيروت آليتين لتصنيع «الكبتاغون» المادة الأكثر رواجاً في سوريا، وتكشف التحقيقات عن وجود مستودع لتصنيع تلك الحبوب في «الشويفات» على أطراف ضاحية بيروت الجنوبية، أما الأبرز فتورط 10 أشخاص بينهم شقيقا النائب عن «حزب الله» حسين الموسوي، واثنان من آل المقداد.
ويترافق كل ذلك مع غياب تام لأجهزة الدولة اللبنانية عن حقول البقاع الشمالي، التي تزرع بحشيشة «الكيف» و«الخشخاش»، فيما يعين تاجر المخدرات نوح زعيتر قائد كتيبة في لواء القلعة، الذي تشكل لمحاربة من سماهم «حزب الله» بالتكفيريين، فيطل عبر الإعلام متوعداً بمسح بلدة الزبداني في سوريا.
مشهد لبنان وخلافاً للعادة، يجد نقيضه في إيران؛ فنائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والعائلة، كشفت عن إعدام جميع رجال إحدى قرى إقليم بلوشستان جنوب شرقي البلاد؛ لإدانتهم بتهمة تجارة المخدرات. وهكذا تتغير فجأة قواعد ولاية الفقيه، التي اعترف أمين «حزب الله» أنه أحد جنودها بين إيران ولبنان، فيدرك المعارضون للحزب فداحة الخطأ في وصفه «دويلة في قلب دولة»، فيبدو الأصح أن الدولة غابت وبقيت الدويلة.
تعليق