عنـدما نتحدث عـن مضمون أدب الخيال العلمي الموجه للأطفال ونستحضر الجانب النفسي والتربوي وبناء الشخصية فإننـا نجـد أنفسنا أمام أسئلة عـلى درجة كبيـرة مـن الأهمية، أهـمهـا كالتالي
ويطرح سؤال المضمون نفسه أكثر في أدب الخيال العلمي الموجه للأطفال، حيث الخروجُ عن الواقـع المحدود بأبعاده المعروفة، والتحليق بالطفل في عوالم غريبة وأساطيـر جديدة مثـيـرة بكتابة علمية ساحـرة، والسفـر به في السفـن الفضائية إلى القـمـر وإلى بلاد ما وراء الحقـيـقـة، والالتقاء بمخلوقات غريبة من الفضاء الخارجي وراء الجاذبية الأرضية، وربما محاربة مخلوقـات الكواكب أخـرى.
فإذا كان ما يميـز مضمـون أدب الخيال العلمي هـو بعـده عـن الأساطيـر الخرافية القديمة، وتناسقه مع النظريات العلمية كما هي أو على شكل مختلف، فإنه لـم يخـرج مـن دائرة الخوارق والأساطير الخرافية بشكل نهائي، وإنما تناوله لها حاول جاهدا أن يكون مبنيا على العلم كما هو أو العلم الافتراضي.
أي العلم كما يراه الكاتب لا كما وصلت إليه التجارب والتطبيقات الميدانية. فشخصيـة “هـاري بـوتـيـن” شخصية خارقة تعـتـمـد عـلى قـدرات ذات طبيعة سحـرية لمواجهـة الشر، و”السوبيـرمان” و”باتمـان” نمـوذجان للشخصيات التي يزخـر بها هذا الأدب والتي تعتمد على القدرات الخارقة لهزم المنافسين. و”مصاص الدماء” والوحوش العملاقة كلهـا تجسيد جديد، في عصر العلم، للغول المرعب في العصور القديمة.
وعادة ما ترتفـع نسبة الخيال في مضامين أدب الأطفـال إلى درجة أننـا نَحْذر مـن الانزلاق إلى الوهم والتوهم وإغراقهم بالأحلام ذات الأدوار السلبية التي تستهدف تقويض المبادئ والقيم والسيـاسة.
ولكننا لا نستطيع تعطيل توظيفه في الأدب سواء الموجه للصغار أو الموجه للكبار. وقد عرف الإنتاج الأدبي الكثيرين ممـن يذودون عـن الخيال ويرون أنه ليس بالضرورة سلبيا. فهـذا الدكتور رزان محمود إبراهيـم القائل: (بل إن حرمان الطفـل مـن هـذا الخيال يُعـد خسارة كبيرة لثقافـته الأدبية وحرمانا كبيرا من مادة هامة قد ترسم صورة لمستقبل الإنسان وتلعب دورا هاما في مصيره).
وإذْ لا نستطيـع إلغـاء الخيال كله ولا قبوله كله، فإن مقياس توظيفه يجب أن يكون مرتبطا بمدى بنائه لشخصية الطفل، لتكون قادرة على فهم الماضي، واستيعاب الحاضر، والتأثير في المستقبل، وتنشئته تنشئة تربوية تستحضر القيم المجتمعية، وتحترم متطلبات مراحله العمرية.
فلا يجنح إلى إرعابه وتخويفه، فيخلق منه، بفعل التكرار شخصية جبانة. ولا يجنح إلى معاني مغلوطة ترسَخ فـي ذهـنه، فـيصعـب تصحيحهـا فـيـما بعـد، خصوصا وأن الأطفـال في مرحلة اكتساب المعارف. ونظرا لكون الطفـولة مرحلة تكويـن لشخصيـة الإنسـان يُصَدق فيهـا الأطفـال كـلما يقـدم لهـم، فـإن الخيـال إذا ابـتعـد أكثر عـن الحـقـائق والتصورات البناءة قـد يصبح ضـره أكبـر مـن نفعه. وعلى هـذا نقيـس كل ما يقدم للأطفال من قصص الجن والعفاريت والحوريات، أو قصص الرجل الخارق والكواكب والعالم الافتراضي.
وتلعـب المراحـل العمرية دورا حاسما في تحديد مدى الخيال في المضاميـن الأدبية المقدمة للطفل. فمـا يقـدم لأطفال السنة الرابعـة إلى السادسة مـن العمـر يختلـف عما يقـدم لأطفـال السنـة السابعـة إلى التاسعة، ويختلـف عما يقـدم للسـن العاشـر حتى الثاني عشرة.
ولا يخفى الارتباط القوي بيـن السن والخصائص النفسية والذهنية. فليس كل ما يتخيله الطفل في سن معين، وهـو يستمتـع بنص أدبي موجهٍ له، هـو بالضرورة ما قصده الأديـب. فجمـوح خيال الأطفـال يختلـف حسب المراحل العمرية، من جهة، ومن جهة أخرى فإن مخزون ذاكرتهم مـن الخبرات تتدخـل بقـوة لتشكـل الأفكار وتتحكم في الخيال كما يرونه هـم، لا كما يـراه الكبـار.
وحجـم المخـزون المتـراكـم يختـلـف مـن طـفـل لآخـر حسب العـوامـل الذاتية المتمثلة في السـن والقـدرات النفسـيـة والذهنية والعوامل الخارجية المتمثلة في الفرص والعقبات المتواجدة في البيئة المحيطة بالطفل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق