منذ الزيارة الأولى للرئيس الفرنسي ماكرون الى لبنان، على أثر الإنفجار – الكارثة في 4 آب الماضي، لا تزال المبادرة الفرنسية قائمة، وإن لم تسعفها في الماضي التصرفات غير المسؤولة لبعض المسؤولين، الذين طاب لهم الإعتقاد أن هذه المبادرة قد ولّى زمانها، بإعتبار أنها لم تتطابق مع مصالحهم الذاتية البعيدة كل البعد عن المصلحة العامة.
وفي قراءة متأنية لمسار هذه المبادرة يتبيّن للمراقبين أن التحرّك الفرنسي لا يزال يشكّل بالنسبة إلى اللبنانيين، الغارقين في أوحال السياسات اللبنانية الضيقة، المخرج الوحيد من عنق زجاجة الأزمات المتراكمة منذ 4 آب وحتى اليوم.
ووفق هذه القراءة، يمكن إستنتاج الخلاصات التالية للتأكيد ان المبادرة الفرنسية لم تنتهِ ولن تنتهي، على رغم كل محاولات العرقلة والتفشيل:
أولًا، لم تأت هذه المبادرة من عدم، بل هي نتيجة طبيعية للعلاقة التاريخية التي تربط فرنسا بلبنان، وهي علاقات قائمة على حرص باريس على أن يبقى لبنان، وبالأخص عاصمته، التي دمرّ نصفها إنفجار المؤامرة او الغباء والإهمال وقلة الدراية، لا فرق، موئلًا للحرية ومنارة ثقافية، وأن يبقى مدرسة في الديمقراطية الصحيحة القائمة على الأسس ذاتها التي قامت عليها فرنسا، التي تهدف إلى تعزيز دور الإنسان وترسيخ هويته وإنتمائه إلى مجموعة من القيم، التي يمكن الإستثمار فيها على أكثر من صعيد في مجال تطوير القدرات والإمكانات الإنسانية العابرة للحدود.
ثالثًا، لم يأت التدّخل الفرنسي من أجل الحلول مكان اللبنانيين في المعالجات، خصوصًا أن الرئيس الفرنسي يدرك تمامًا حساسية التوازنات الداخلية المترابطة بالتوازنات الإقليمية، وهو ربما يعرف أكثر من بعض اللبنانيين تفاصيل كثيرة عن الأسباب التي تحول دون التقارب اللبناني – اللبناني، فضلًا عن إطلاعه اليومي على أدقّ التفاصيل المتعلقة حصريًا بالأزمة الحكومية، وموقف كل طرف منها والشروط التي يضعها، والتي لا تزال تحول دون قيام حكومة "مهمة" كما اردها وكما خطّط لها مع معاونيه، الذين وضعوا خارطة طريق لأي حكومة في لبنان لتمكينها من النجاح وتحقيق الإصلاحات المطلوبة دوليًا.
خامسًا، في حال تمّ التوافق الداخلي على صيغة مقبولة من الجميع للحكومة العتيدة، مع العلم ان فرنسا على إطلاع تام على تفاصيل الإتصالات القائمة، فإنه لا بدّ في النهاية من إعتماد المبادرة الفرنسية كإطار جامع وموحّد للخروج من أتون الأزمات، والمباشرة بورشة إصلاحية شاملة على الصعيدين المالي والإقتصادي، والبدء بمفاوضات واضحة وشفافة مع صندوق النقد الدولي بهدف برمجة المساعدات الممكنة للبنان، والتي تُعتبر معبرًا إلزاميًا لولوج مرحلة أولية من الإستقرار النقدي، تمهيدًا للإنطلاق في مسيرة إستعادة لبنان لعافيته الإقتصادية، وعلى الأرجح سيكون للعامل الفرنسي دور فاعل في تخطّي اللبنانيين كل هذه المطبات.
لهذه الأسباب مجتمعة ولغيره من الإعتبارات التي تبقى في رسم المستقبل يمكن القول إن المبادرة الفرنسية لم تنتهِ ولن تنتهي.
تعليق