يتطلع اللبنانيون إلى مؤتمر دولي يقر حلا نهائيا وثابتا للقضية اللبنانية لأن التسويات الجزئية والسطحية السابقة استهلكت وفشلت في حماية المئوية الأولى من الحروب والانقسامات والاحتلالات. لبنان لامس الخطر الوجودي ولا ينقذه سوى حل بمستوى هذا الخطر. منذ سنة 1969 واللبنانيون يضطرون إلى قبول الحروب الخطأ، والحلفاء الخطأ، والأعداء الخطأ، والاتفاقات الخطأ، والتسويات الخطأ إلى أن انفجرت التركيبة اللبنانية.
صحيح أن إقفال منافذ حل لبناني أو عربي يفتح الباب أمام حل دولي للقضية اللبنانية. لكن هذا ليس السبب الموجب الوحيد لتدويلها. نحن في قلب تدويل جميع قضايا الشرق الأوسط. مؤتمرات دولية على مد النظر. من ملف الصحراء الغربية في المغرب، إلى الـملف النووي الإيراني، مرورا بتسويات ليبيا واليمن والعراق وسوريا وفلسطين. فلم استثناء لبنان من مؤتمر دولي، وجميع قضايا الـمنطقة تستوطنه؟
لا يجوز أن ينأى لبنان بنفسه عن الحل فتبقى أزمته بين الأزمات المؤجل حلها. واجبه أن يكون شريكا في حركة التدويل وديناميتها ليفك ارتباطه بجميع هذه الأزمات ولا تتم حلولها مرة أخرى في غيابه وعلى حسابه. في السابق كانت صراعات الآخرين وحلولهم تجري على حساب حكم لبنان وسيادته. اليوم، الخوف أن تحصل على حساب أرضه وكيانه وشعبه. الأمر يتوقف على من يرفع الستارة أولا عن دويلته وحدوده.
في الربع الأخير من القرن الماضي رفض المسيحيون المس بالدستور فطار الدستور والميثاق وقبلوا محبطين باتفاق الطائف ودستوره. ومنذ ثلاثة عقود والسنة يرفضون المس بدستور الطائف فطار من دون بديل أفضل منه. واليوم يرفض الشيعة المس بسلاحهم ويعتبرونه دستورهم وميثاقهم. لكن طبيعة التطورات ستفرض إعادة النظر بهذا السلاح. هذا المنطق سيبقى منطقا ولو طال الزمن...
نعم نحن مع التدويل. نحن مع مؤتمر دولي خاص بلبنان. ومن يمنع التدويل، ويعطل الحلول الأخرى، يسعى لإبقاء لبنان ساحة حروب، وموقد أزمات، ووطن الشك بنهائيته، والحل الاحتياطي لمشاكل الآخرين. نحن مع التدويل بكل ما أوتينا من وطنية وجرأة. فلا حياء ولا مواربة ولا حسابات رئاسية. عقد مؤتمر دولي ممكن. الإمبراطور الروماني مارك أوريل (121/180م.) كان يردد: "أعطني القوة لتحمل ما لا يمكن تغييره، والشجاعة لتغيير ما يمكن تغييره، وأعطني الحكمة للتمييز بين الاثنين". نحن: ميزنا، قررنا، وسرنا بقوة وشجاعة وحكمة. سقوط لبنان مستحيل وإنقاذه ممكن.
نريد المؤتمر الدولي أيضا مدخلا للمصالحة التاريخية مع شركائنا في لبنان وأصدقائنا في محيطنا الطبيعي. نوعية المواقف الدولية ترجح الحلول السلمية وإن لم تستبعد تعبيدها بمقدمات عسكرية. ونوعية الأحداث في لبنان والمنطقة طوت الحلول الصغيرة، فجميع التسويات الجاري إعدادها لدول المنطقة كبيرة بمستوى ثوراتـها السابقة وحروبـها الراهنة. لا يقتصر دور المؤتمرات الدولية في نيويورك وفيينا وجنيف وأستانة على مصالحة عابرة بين الأطراف المتنازعين، بل يشمل البحث إعادة تكوين الدول والسلطات والأنظمة والحدود.
تعليق